"نَسْمَعُ كَثِيرًا مِنَ الجِدالِ المُناهِضِ لِاتِّخاذِ إِجْراءاتٍ لِتَقْلِيلِ مُسْتَوَياتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ فِي الجَوِّ، والَّتِي يَسْتَشْهِدُ أَنْصارُها بِأَنَّ مُسْتَوَياتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ كانَتْ أَعْلَى كَثِيرًا فِي الماضِي، ومِنْ ثَمَّ لا داعِيَ لِإِثارَةِ القَلَقِ حِيالَ هَذا الأَمْر".
جافن فوستر، عالِمُ الكِيمياءِ الجيولُوجيَّةِ بِجامِعَةِ ساوثهامبتون. غَيْرَ أَنَّ فوستر يُؤَكِّدُ أَنَّ هَذِهِ الحُجَّةُ خَطَأٌ تَمامًا. مَبْدَئِيًّا، كَمْ مِنَ الزَّمَنِ عَلَينا أَنْ نَرجِعَ إِلَى الوَراءِ كَيْ نَجِدَ تَرْكِيزاتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَربُونِ بِالدَّرَجَةِ الَّتِي نَتَوَقَّعُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْها فِي المُسْتَقْبَلِ، وهَلْ مِنَ المَنْطِقِيِّ مِنَ الأَساسِ أَنْ نُقارِنَ بَيْنَ مُسْتَوَياتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ الآنَ وفِي الماضِي؟
لِلْإِجابَةِ عَنْ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ، أَعادَ فوستر وزُمَلاؤُهُ تَكْوِينَ تارِيخِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَربُون فِي الغِلافِ الجَوِّيِّ لِفَتْرَةِ الأَرْبَعِمِئِةِ والعِشْرِينَ مِلْيونَ سَنَةٍ الماضِيَةِ. فَقامُوا بِتَجْمِيعِ ما يَقْرُبُ من أَلْفٍ وخَمْسِمِئَةِ تَقْدِيرٍ لِتَرْكِيزاتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ مِنْ مِئَةٍ واثْنَتَيْ عَشْرَةَ دِراسَةً سابِقَة. وعِنْدَما جَمَعَ الباحِثُونَ تِلْكَ البَياناتِ، وَجَدُوا أَنَّ مُسْتَوياتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَربونِ فِي الغِلافِ الجَوِّيِّ شَهِدَتِ ارْتِفاعًا وانْخِفاضًا عَلَى مَدارِ الزَّمَنِ، ولَكِنَّها بِصِفَةٍ عامَّةٍ شَهِدَتِ انْخِفاضًا تَدْرِيجِيًّا مِنْ ثَلاثَةِ آلافِ جُزْءٍ فِي المِلْيون تَقْرِيبًا إِلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ جُزْءٍ في المِلْيُون قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ البَشَرُ فِي حَرْقِ الوَقُودِ الحَفْرِيّ.
وعَلَى أَيَّةِ حالٍ، فَقَدْ بَدَأْنا بِالفِعْلِ فِي عَكْسِ ذَلِكَ التَّوَجُّهِ. فَإِذا اسْتَمَرَّ الأَمْرُ عَلَى هَذا المِنْوالِ، فَمِنَ المُمْكِنِ أَنْ تَصِلَ انْبِعاثاتُ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ فِي مُنْتَصَفِ هَذا القَرْنِ إِلَى مُسْتَوَياتٍ لَمْ تَشْهَدْها الخَمْسُونَ مِلْيُونَ سَنَةٍ الماضِيَةُ، وذَلِكَ وَفْقًا لِلنَّمُوذَجِ الَّذِي أَعادَ فُوستر بِناءَهُ. في ذلِكَ الوَقْتِ، لَمْ يَكُنِ البَشَرُ قَدْ ظَهَرُوا بَعْدُ، وكانَ المَناخُ أَكْثَرَ حَرارَةً بِكَثِيرٍ ولَمْ يَكُنْ هُناكَ غِطاءٌ جَلِيدِيٌّ يُغَطِّي القُطْبَيْنِ. وإِذا اسْتَمَرَّ الأَمْرُ فِي ذَلِكَ المَسارِ، فَمِنَ المُمْكِنِ أَنْ تَصِلَ مُسْتَوَياتُ تَرْكِيزِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ بِحُلُولِ عامِ أَلْفَينِ ومِئَتَينِ وخَمْسِينَ إِلَى ما كانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ مِئَتَي مِلْيونَ سَنَةٍ فِي العَصْرِ التِّرْياسِي، عِنْدما كانَتِ الدَّيناصُوراتُ تَتَجَوَّلُ هُنا وهُناكَ فِي أَرْجاءِ الأَرْض.
غَيْرَ أَنَّ الغازاتِ الدَّفِيئَةَ لَيْسَتِ العامِلَ الوَحِيدَ الَّذِي يُؤَثِّرُ عَلَى مَناخِ الأَرْضِ؛ فالشَّمْسُ تُؤَدِّي دَوْرًا مِحْوَرِيًّا فِي هَذا أَيْضًا. فَقَدْ تَوَصَّلَ فَرِيقُ فُوستر إِلَى أَنَّ الشَّمْسَ أَصْبَحَتْ أَكْثَرَ سُطُوعًا بِمُرُورِ الوَقْتِ، وعَوَّضَتْ بِذَلِكَ جُزْءًا كَبِيرًا مِنَ انْخِفاضِ دَرَجَةِ الحَرارَةِ المُرْتَبِطِ بِانْخِفاضِ مُسْتَوَياتِ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُون. وهَذِهِ الحَقِيقَةُ لَها العَدِيدُ مِنَ التَّبِعاتِ المُهِمَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّغَيُّراتِ المَناخِيَّةِ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ؛ فَبَيْنَما يَبْدُو أَنَّنا نَتَّجِهُ إِلَى عَصْرٍ تَقْتَرِبُ فِيهِ مُسْتَوَياتُ ثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ مِمَّا كانَتْ عَلَيْهِ فِي الماضِي الجيُولُوجِي السَّحِيقِ، فَلَنْ يَبْدُوَ الأَمْرُ وَكَأَنَّهُ عَوْدَةٌ بِالزَّمَنِ إِلَى الوَراءِ فَحَسْبُ.
"نَظَرًا لِأَنَّ الشَّمْسَ الآنَ أَكْثَرُ سُطُوعًا مِمَّا كانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ مِئَتَي مِلْيُونَ سَنَةٍ، أَوْ أَرْبَعِمِئَةِ مِلْيُونَ سَنَةٍ، فَإِنَّ التَّأْثِيرَ الإِشْعاعِيَّ لِثانِي أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ فِي المُسْتَقْبَلِ سَيَكُونُ أَكْثَرَ قُوَّةً بِكَثِيرٍ. وقَدْ رَأَيْنا أَنَّ هَذا أَمرٌ شَدِيدُ الأَهَمِّيَّةِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ قَبْل".
وقَدْ نُشِرَتِ النَّتائِجُ الَّتِي تَوَصَّلَ إِلَيْها الفَرِيقُ فِي دَوْرِيَّةِ "نيتشر كوميونيكيشنز" Nature Communications.
[Gavin L. Foster, Dana L. Royer and Daniel J. Lunt, Future climate forcing potentially without precedent in the last 420 million years]
ويُؤَكِّدُ فوستر أَنَّ هَذا لَيْسَ رُؤْيَةً لِما سَيُصْبِحُ عَلَيْهِ الوَضْعُ بِالضَّرُورَةِ، وإِنَّما لِما قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ الوَضْعُ. "إِنَّنا نَدُقُّ ناقُوسَ الخَطَر؛ إِذْ إِنَّنا لَوْ لَمْ نَتَّخِذْ أَيَّ إِجْراءاتٍ فَسَنَجِدُ أَنْفُسَنا نَدْخُلُ سَرِيعًا، فِي غُضُونِ المِئَةِ والخَمْسِينَ عامًا القادِمَةِ، إِلَى عالَمٍ يَتَعَرَّضُ فِيهِ المُناخُ لِتَأْثِيراتٍ قَوِيَّةٍ لَمْ يَشْهَدْها عَلَى مَدارِ أَرْبَعَمِئَةٍ وعِشْرِينَ مِلْيونَ سنةٍ، عَلَى حَدِّ عِلْمِنا. وهَذا الوَضْعُ يَتَجاوَزُ الظُّرُوفَ الطَّبِيعِيَّةَ لِكَوْكَبِ الأَرْضِ، ولا يَبْدُو لِي أَنَّها سَتَكُونُ مَكانًا جَيِّدًا" لِلْحَياة.
تعليقات
إرسال تعليق